9‏/6‏/2007
حكاية صراع
الصراع حول التليفزيون شيء قديم .. بدأ أيام زمان أول ما اخترعوا التليفزيون .. كانت نقلة مدهشة أني أبقى قاعد مكاني وشايف ناس تانية في مكان تاني من غير ما أتحرك وأروحلهم .. وكان الصراع يشمل جميع أفراد الأسرة .. الأب والأم والأبناء .. كل واحد كان عاوز يشوف اللي هو عاوزه وبيصر على ده .. الولد الصغير عاوز يشوف البطة العجيبة ، والولا الأكبر منه المراهق شوية عاوز الفيلم العربي عشان بيحب منى زكي .. والاتنين الكبار خالص بقى هاينقسموا لواحد عاوز المسلسل والتاني عاوز الفيلم الأجنبي ( أو مكافئات الأشياء دي في وقتها ).. وغالبا الموضوع بيحسمه فرق السن لصالح الأكبر .. قانون الغاب برضه بس مختلف بعض الشيء

تخيل بقى الصراع ده لو انضم ليه الأب ، بإصراره الدائم على مشاهدة قناة الجزيرة الخالدة ، وإلحاح الأم على المسلسل اللي بييجي في أبو ظبي أو على برامج معينة من اللي ضيوفها بييجوا عشان يبكوا هم أو يبكّوا المشاهدين معاهم أو الاتنين مع بعض (أو مكافئات الحاجات دي وقتها ) أو ما شبه

كان العالم كله واقع في الصراعات دي .. وزي ما المثل العربي بيقول كل يبكي على ليلاه ، فكانت كل أسرة فيها الصراع ده مع اختلاف البرامج اللي الصراع بيدور حولها .. على حسب ثقافة المجتمع والأمور دي .. لكن بدأ في اليابان يحصل تطورات للقضاء على الصراع بين أفراد الأسرة بوسيلة ذكية

أحد الآباء اليابانيين اتفقع من الصراع الدائر في أسرته حول التليفزيون ، وملّ من مشاهدة البطة العجيبة ومسلسلات أبو ظبي ، ناهيك عن منى زكي (أو النسخة اليابانية من الحاجات دي !).. وفكّر يلهي أسرته في حاجة تانية .. جابلهم شوية قصص وكتب وروايات عشان يقروا .. والموضوع نجح لمدة تلات ساعات إلا ربع بالظبط ، ورجع الصراع تاني .. فقرر أنه يخترع آلة تانية تلهي الولاد عن التليفزيون .. فكر وفكر وبعدين راح مخترع .. الأتاري

فرح الولاد جدا بالأتاري ، واتلموا حواليه .. بس للأسف الألعاب ماكنتش على الدرجة الكافية من المتعة .. كانت الرسوم كلها تتراوح بين المثلث والمربع والخط ، يعني لو بتلعب لعبة كورة مثلا هاتلاقيك بتحرك لاعبين هم عبارة عن خط يعلوه مربع (أو مثلث حسب إصدارة اللعبة!) ويتفرع منه خطان من وسطه ، وينتهي بخطين تانيين .. واللاعبين دول هدفهم مطاردة مربع أول ما بيلمسوه بيتحرك (اللي هو المفروض الكورة)، عشان يوصلوه لمستطيل كبير (اللي هو المفروض المرمى) .. وطبعا ماكنش في أوت وكأنك في ملعب اسكواش .... وبالنسبة لألعاب الطيارات ماكنش الوضع مختلف كتير .. برضه الرسومات لا تتعدى الأشكال سابقة الذكر .. المركبة الفضائية بتاعت اللاعب عبارة عن مثلث (أو مربع على حسب الإصدارة برضه ! ) وبيطلع منها مربعات صغيرة (طلقات يعني ) والمربعات دي بتطلقها على مثلثات/مربعات تانية بتطلع مربعات صغيرة زيك تمام .. وبعد شوية تلاقي مثلث ضخم بيهريك سيل من الطلقات المربعة وانت عليك تهريه بطلقاتك المربعة المريعة برضه .. لحد ما ينفجر وتتطاير أشلاؤه ، اللي هي عبارة عن مثلثات أو مربعات صغيرة

طبعا مع الوصف السابق الوضع ماستمرش كتير ، وبدأ الولاد يملوا من الأتاري الجديد ويرجعوا للتليفزيون تاني .. فبدأ تطوير الأتاري شوية شوية ، وبدأت أسامي زي السيجا والنينتيندو يعرفها الولاد .. وبدأت الألعاب تتطور شوية شوية وبقى في مؤثرات صوتية تختلف عن ال تك ، تش ، بم ، فف بتاعت ألعاب الأتاري القديمة ، وبقى في ضرب نار و راتاتاتاتاتاتاتا وانفجارات ، حتى ألعاب الكورة بقى لها معلق ياباني بيقول كلام مش مفهوم ويضحك أصلا بس أهو بيدي الإيحاء أن الموضوع حقيقي شوية

كان متزامن مع الموضوع ده كمبيوتر .. هو مختلف عن الكمبيوتر الحالي شوية ، يعني كان المكونات كلها متركب فوقيها الكيبورد .. فكان الكمبيوتر كله كله عبارة عن كيبورد أصغر من الحالية ولكنها ملظلظة وأتقل طبعا .. وده عمنا الياباني كلم واحد صاحبه اسمه بيل جيتس عشان ابنه الكبير كان عامل فيها كبر بقى ومستهيف الأتاري ، فراح عمنا جيتس منزل الكمبيوتر ده وكان فيه برضه برمجة وبرنامج رسام وحاجات كده على خفيف طبعا .. ماننساش أن الحوار ده كان في التمانينات بس

طبعا دوام الحال من المحال .. والعيال بدأت تكبر وحتى الأتاري ماعدش جايب همه بمستواه الحالي .. فبدأ انتاج الكمبيوترات الشخصية بقى .. بس الألعاب ماتطورتش كتير عن مستواها في الأتاري .. وعشان كده ظهرت الحاجة الفورية للتطوير ، وكان أهم حاجة حصلت هي الخروج عن المفهوم ثنائي الأبعاد للألعاب والدخول في الألعاب ثلاثية الأبعاد زي دووم مثلا أو كويك .. وألعاب الكورة برضه المعلق بقى بيتفاعل بشكل أفضل واللاعبين بدأ يكون لهم شكل مميز لكل واحد منهم .. ألعاب الطيارات كمان الطيارة بقى لها شكل واضح المعالم والأصوات بقت أفضل كتير

عمنا الياباني وعمنا جيتس دخل معاهم في الحوار ده ناس كتير بقى عجبتهم الفكرة .. وظهرت ألعاب كتير بأشكال وأفكار مختلفة ومشوقة جدا .. لحد ما بدأ عصر اللعب عبر الشبكات ، ودخل الولاد – فاكرينهم لسة ؟ - في المعمعة دي .. وطبعا ماننساش الشات والمنتديات و .. و .. الخ

انبسط عمنا الياباني بالنتيجة ، ولقي ولاده كلهم منشغلين بالكمبيوتر والنت .. وقعد بقى مأنتخ يتفرج ع التليفزيون لوحده ، وراح مشغل الهونج شاي – المكافيء التخيّلي للجزيرة !!- وقاعد سلطان براحته ع الآخر .. ماكنش مضايقه غير الست أم العيال بس أما كانت تحب تتفرج على برامجها .. بس برضه ماكنش يقدر على زعلها وكان بيقعد يتفرج معاها وهو مفقوع أي نعم بس برضه .. دي مراته أم العيال مش أي حد

شوية شوية بدأ عمنا يحس أن في حاجة مش تمام ، وبدأ يحن لأيام ماكان بيشوف ولاده كل يوم ويقعدوا يتخانقوا على هايشوفوا ايه النهاردة .. ع الأقل كان بيشوفهم بصفة يومية .. إنما دلوقت ماعدش بيشوفهم تقريبا ، يادوب يصحوا وصباح الخير وهوب ع الكمبيوتر على طول وهاتك يا نت ولعب .. دا حتى كمان طلع كارت جديد يتيح امكانية مشاهدة التليفزيون على الكمبيوتر

الغريب أنه حتى بعد ما اقترح عليهم أنه هايخليهم يشوفوا اللي هم عاوزينه .. وحتى لما قال أنه هايجيب لكل واحد تليفزيون خاص بيه فضل الولاد مبلطين أدام الكبيوتر ليل نهار ، وماعدش حد معبر فيه ولا في التليفزيون .. و ساد الكمبيوتر

الأغرب كمان ، أن نفس الصراع ده كان بيحصل في زمن ما قبل التليفزيون نفسه .. على الراديو .. وحصل للراديو نفس اللي حصل للتليفزيون


تخيل بقى .. لو افترضنا أن حلقة التطور دي هاتنال الكمبيوتر والبلاي ستايشن والكلام ده .. ايه ممكن يحل محلهم ويستبدلهم ..؟ .. ولو ده حصل ايه هايكون مصيرهم .. ياترى هل نفس مصير سابقيهم والا هايختلف ؟

التسميات:

 
posted by سيدوفسكي at 8:32 ص | Permalink | 3 comments