3‏/4‏/2007
! أسطورة ملك الذباب
أيام الثانوية العامة .. كانت لي هواية خاصة أمارسها بصفة شبه منتظمة مع بدايات الربيع – على ما أذكر - .. هي ليست بالهواية بالمعنى المفهوم بل هي استجابة لظروف خارجية قهرية دفعتني دفعا للإمساك بغطاء الآلة الحاسبة الكاسيو إياها ، ملقيا الكتاب من يدي في حنق ، منطلقا خلف تلك المجنّحات السوداء "الزنّانة" اللحوح الشنيعة ، المعروفة باسم الذباب

كنت أجلس محاولا الاستذكار – أيامها كنت أذاكر وكأني أستمد حياتي منها ، العكس تماما هو السائد الآن – في سكينة وهدوء جالسا على سريري الصغير في وضع أقرب للزاوية الحادة منه للقائمة ، كي لا أستلذ الاستلقاء فأنام .. وبالتالي يضيع اليوم بلا مذاكرة .. كنت أرى في هذا – بشكل ما – خسارة كبيرة لا أقبل بها أبدا .... ما علينا

الظاهر أنني كنت أشكل عامل جذب قوي بشكل ما للذباب في الحجرة ، خاصة وأنا أذاكر .. يبدو أنني كنت أبدو وسيما للغاية في أعينهم المركبة ، ما تلبث الواحدة منهن أن تراني حتى تندفع نحوي وتطوف من حولي مستعرضة براعتها في المناورة والإفلات من قبضتي الغاضبة الموجهة نحوها ، ثم تلتصق بالجدار أو الدولاب أو السقف – أيهم أقرب – ملتقطة أنفاسها .. ثم تعود من جديد لاستئناف نشاطها التقليدي في إثارة أعصابي – المثارة أساسا – واستخلاص اللعنات والشتائم من فمّي

ثم جاء اليوم – الذي أشرت إليه في البداية – الذي قررت فيه عدم الاستسلام والخضوع لتلك المجنّحات .. فتناولت آلتي الحاسبة الكاسيو الشهيرة ذات الغطاء ذو الدفتين ، الذي انفصلت دفتيه عن بعضهما في حادث من المؤكد أنه كان مؤسفا ولكني لا أعلم ملابساته .. المهم أنني أمسكت بالدفة العليا من الغطاء على سبيل المضرب .. ثم أشحت به في الهواء أمامي أثناء مرور إحدى دوريات الذباب أمامي .... وعلى إثر حركتي السابقة سمعت صوت ارتطام خفيف " طك " .. ونظرت فوجدت ذبابة "تفشكل" منظرها تماما .. جناح يقف متصلبا لأعلى بينما الآخر يتجه بحماس للأسفل .. تحاول أن تتحرك أو تقوم من مكانها ولكن .. هيهات

نظرت إليها قليلا في تشف .. ثم أتيت بشبشبي الأخضر البلاستيكي الجميل واقتربت بهدوء من الذبابة الصريعة وموسيقى ترقّب تصويرية رائعة تملأ كياني .. ثم ................................. فلترحمها السماء !!

بعد انتهائي من العملية النازية السابقة .. نظرت في توحش إلى الذبابات الأخرى الملتصقة بالدولاب نظرة من نوع " نيا-ها-ها-ها-ها-ها-ها-ها-ها-ع " .. ثم أمسكت بغطاء الآلة اياه .. وانطلقت

أقترب من إحدى الذبابات .. أقرّب منها سلاحي الشهير على سبيل "الهشّ" فتطير .. فأهلل فرحا على طريقة الهنود الحمر .. وأنطلق خلفها مطاردًا .. أحرك يدي يمينا وشمالا إلى أن أسمع الصوت العذب " طك " فأعلم أنني نجحت .... ألتقط الجسد "المفشكل" وأضعه على ظهر غطاء الآلة .. أرفعه عاليا في حركة خاطفة لتطير الصريعة في الهواء .. ثم وبظهر الغطاء ، بحركة رأيتها مرارا في مباريات تنس الطاولة أهوى على الجسد المتهاوي بضربة جانبية قوية .. فينطلق بدوره نحو الحائط في سرعة .. تهيئةً كي يحتضنها ملتصقا بها راسما معالم نهايته البشعة في وضع يشبه تلك الأوضاع العبقرية التي يتخذها "توم" حين يرتطم بالحائط مندفعا بفعل قوى خارجية كرتونية أخرى

طبعا كان هناك ركن على التسريحة خاص بوضع الجثث عليه ، لتكون عبرة لمن لا يعتبر .. لو قدر لي أن أكون ذبابة وكنت أطير ورأيت ذلك المشهد ، لفكرت ألف مرة قبل أن "أضايقني" بأي صورة من الصور .. لذلك لم أندهش كثيرا لتوقف مضايقات الذباب لي بعد عدة مذابح .. ربما كان السبب أنهم ارتدعوا فعلا ، وربما كان لأنني أفنيتهم عن بكرة أبيهم .. ولكن حينما كنت أجلس رائق البال كي أذاكر في هدوء وراحة لم يكن ليعنيني السبب كثيرا .. المهم أنني في هدوء وكفى




تعقيب : حسنا .. بعد هذه المعارك الصغيرة التي حكيتها – وهي وقائع صحيحة تماما بالمناسبة – أراك تتساءل عن السبب الذي دفعني لكتابة مغامراتي مع الذباب .. من حقك طبعا أن تندهش من ذلك الأحمق " الدّهُل " الذي أمضى من عمره ما بين الساعة ونصفها واصفا الكيفية التي كان يكافح بها الذباب في غرفته .. ثم سيأخذك التساؤل حتما عن ماهية تلك الغرفة التي تعج بالذباب لهذه الدرجة .... دعني أقل لك إذن - وقبل أن تتمادى في تساؤلاتك التي لاحظت أنها بدأت تسلك مسلكا غير محبب على الإطلاق – أنني فقط كتبت كنوع من أنواع استرجاع الماضي قليلا ، واستشعار ذلك الشجن الذي أشعر به دوما حين أراني بضع سنوات مضت .. لا تغفل طبعا لذة الكتابة عن الذكريات و التجارب السابقة

ثم بالإضافة إلى ما سبق .. فقط أحب أن أوضح شيئا هامًا .. ربما يقرأ أحدكم هذه الشخبطة فيبتسم .. ربما يضحك .. ربما يهشم شاشة الكمبيوتر أمامه ناعتا إياي بما لذ وطاب من الشتائم .... ولكن لا أخفي عليك ذلك الطمع الداخلي الغريب أن أقابل من يقرأ السطور فيهتف في دهشة " ولكن .. ولكن .. ولكني أفعل هذا أيضا ! " .. تفهمني ؟ .. من الطريف دوما أن تحكي شيئا ما متعلقا بك فترى من تحكي له قد أعجبه ما تقول فضحك ، ربما يكتفي بالابتسام الخفيف .. أو تراه يبتسم في شجن وقد تذكر أيامه الماضية هو الآخر .... ولكن من النادر حقا أن تجد ذلك الشخص الذي يتجاوز كل هذا ويشاركك ذات التجربة .. لا أقصد بالطبع تجربة مطاردة الذباب على وجه الخصوص .. أتحدث بوجه عام تماما

عموما عزيزي .. يمكنك عبر الردود أن تحكي وتفضفض قليلا عن أي تجربة طريفة .. أي شيء قمت بفعله زمان حتى لو بدا أحمق (راجع الشخبطة السابقة ) فلا تهتم .. ربما نجحت بدورك في رسم ابتسامة أو خلق ضحكة او تهشيم شاشة أحدهم .. ومن يدري .. ربما وجدت ذلك الذي يصيح " ولكن .. ولكن .. ولكني أفعل هذا أيضا ! "- ................... من يدري

ملحوظة أخيرة : سمحت لنفسي باقتباس عنوان إحدى روايات ما وراء الطبيعة لـ د.أحمد خالد توفيق واستخدامه كعنوان للشخبطة .. سامحني يا د.أحمد !!0

التسميات: ,

 
posted by سيدوفسكي at 1:12 ص | Permalink | 23 comments